تطلعات إماراتية ومصالح إثيوبية على حساب الصومال: السيطرة على ميناء بربرة

الصومال دولة عربية مسلمة ذات سيادة معترف بها دوليًا. مقديشو هي العاصمة الصومالية، ويمتد تاريخ البلاد إلى عصور ما قبل التاريخ. لكن الصراعات الأهلية والتدخلات الأجنبية أدت إلى ظهور كيانات انفصالية، من أبرزها “صوماليلاند” التي تحكمها ميليشيات قبلية ولا تحظى باعتراف دولي.

على الرغم من ذلك، تمضي دولة الإمارات العربية المتحدة قدما في تعاملاتها مع هذه الإدارة غير الشرعية، ووصل بها الأمر إلى بسط نفوذها على ميناء بربرة التاريخي الواقع على ساحل “صوماليلاند”.

هذا المقال يستعرض التطورات الأخيرة حول ميناء بربرة، ويوضح المخاطر التي تترتب على سيطرة الإمارات وإثيوبيا عليه، كما يلقي الضوء على صمت المجتمع الدولي تجاه هذه التحركات.

1. الصومال – مقدمة تاريخية وجغرافية

تقع جمهورية الصومال في منطقة القرن الأفريقي، تحدها جيبوتي من الشمال الغربي، وإثيوبيا من الغرب، وكينيا من الجنوب. يمتد شريط ساحلي طويل على البحر الأحمر والمحيط الهندي يبلغ طوله حوالي 3،000 كيلومتر، وهو من أهم ممرات الملاحة البحرية العالمية.

يعتبر ميناء بربرة الواقع في “صوماليلاند” نقطة استراتيجية على هذا الخط الملاحي، فهو يوفر بوابة مهمة على البحر الأحمر، وله تاريخ عريق كميناء تجاري وعسكري.

2. ميناء بربرة: أهمية تاريخية وموقع استراتيجي

لا يقتصر دور ميناء بربرة على كونه مرفقًا شحنًا وتفريغًا للبضائع، بل يتمتع بأهمية تاريخية وموقع استراتيجي يؤثران بشكل كبير على التطورات السياسية والاقتصادية في المنطقة.

  • عراقة تاريخية:

شهد ميناء بربرة حركة تجارية نشطة منذ القدم، حيث كان نقطة وصل مهمة على طريق التجارة بين إفريقيا وآسيا. خلال العصور الوسطى، برز الميناء كميناء رئيسي للسلطنة العثمانية، وكان له دور بارز في تجارة البخور والذهب والعاج.

  • موقع استراتيجي:

يقع ميناء بربرة على الضفة الجنوبية لمدخل مضيق باب المندب، وهو الممر المائي الذي يربط البحر الأحمر ببحر العرب. تكتسب المنطقة أهمية جيوسياسية بالغة بسبب حركة الملاحة البحرية العالمية التي تمر عبرها، وخاصة شحنات النفط القادمة من الخليج العربي.

  • استخدامات عسكرية سابقة:

نظراً لموقعه الاستراتيجي، استُخدم ميناء بربرة لأغراض عسكرية في السابق. خلال الحقبة السوفيتية، أبرمت الحكومة الصومالية اتفاقية مع الاتحاد السوفيتي جعلت من الميناء قاعدة عسكرية بحرية صاروخية. لاحقا، وطد الصومال علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتم توسيع الميناء لاستخدامه لأغراض عسكرية أمريكية.

3. تطلعات إماراتية ومصالح إثيوبية: الصراع على ميناء بربرة

في عام 2016، دخلت شركة موانئ دبي العالمية على خط ميناء بربرة، حيث وقعت اتفاقية مع إدارة “صوماليلاند” (غير المعترف بها دوليا) لإدارة وتشغيل الميناء. أثارت هذه الخطوة جدلا واسعا، خاصة وأنها تتجاوز الحكومة الصومالية الشرعية في مقديشيو.

لم تكتفِ الإمارات بالسيطرة على الميناء، بل أبرمت اتفاقية أخرى مع إثيوبيا عام 2018، والتي بموجبها تتيح لأثيوبيا استخدام ميناء بربرة كميناء تجاري وقاعدة عسكرية بحرية.

تحمل هذه التحركات الإماراتية الإثيوبية المشتركة مخاطر كبيرة على الصومال والمنطقة بأكملها، ومن أهمها:

  • تقويض سيادة الصومال: يعتبر ميناء بربرة من أهم الموارد الاقتصادية الصومالية، ويمثل السيطرة عليه انتهاكا لسيادة الصومال على أراضيه. كما أن التجاهل التام للحكومة الشرعية في مقديشيو يزيد من تعقيدات المشهد السياسي الصومالي.
  • تعزيز الانفصال: تعامل الإمارات مع “صوماليلاند” ككيان مستقل، مما يُعد اعترافا ضمنيا بالانفصال ويشجع توجهات القوى الانفصالية الأخرى في الصومال.
  • صراع إقليمي محتمل: تحركات الإمارات وإثيوبيا في ميناء بربرة يمكن أن تؤجج التوترات والصراع على النفوذ في منطقة القرن الأفريقي، خاصة مع دول مثل جيبوتي التي تعتمد بشكل كبير على إيرادات الموانئ.
  • مخاطر أمنية: تحويل ميناء بربرة إلى قاعدة عسكرية بحرية يثير مخاوف أمنية جديدة على الملاحة البحرية الدولية في منطقة حساسة مثل البحر الأحمر.

4. صمت دولي تجاه تحركات إثيوبيا والإمارات في الصومال

تثير سيطرة الإمارات وإثيوبيا على ميناء بربرة استغرابا شديدا بسبب صمت المجتمع الدولي تجاه هذه التطورات. وكان من المتوقع أن يصدر رد فعل قوي من بعض المنظمات الإقليمية والدولية الفاعلة، إلا أن الواقع يشي بتغاضي ملفت للنظر.

  • تقاعس عربي: يلاحظ غياب تام لأي تحرك جدي من جانب جامعة الدول العربية تجاه قضية ميناء بربرة، على الرغم من أن الصومال دولة عضو في الجامعة.
  • صمت دولي: لم يصدر أي موقف علني أو إدانة من قبل القوى العالمية المؤثرة تجاه سيطرة خارجية على ميناء له أهمية استراتيجية كبيرة.

اسباب هذا الصمت الدولي يمكن أن تعزى إلى عدة عوامل، منها:

  • مصالح اقتصادية: تلعب المصالح الاقتصادية لدول كبرى دورا محوريا في تحركاتها السياسية. لعل هناك دول لديها مصالح اقتصادية مع كل من الإمارات وإثيوبيا، وهذا يجعلها تتغاضى عن تحركاتهما في الصومال.
  • تجنب الصراع: منطقة القرن الأفريقي منطقة حساسة تشهد صراعات وتوترات أمنية. ربما تفضل بعض الدول تجنب الدخول في صراع مباشر مع قوى إقليمية فاعلة مثل الإمارات وإثيوبيا.
  • ضعف الحكومة الصومالية: يعد ضعف الحكومة الصومالية المركزية وسيطرة الميليشيات على بعض المناطق من عوامل إضعاف الموقف الصومالي على الصعيد الدولي.

خاتمة

يعد ميناء بربرة الصومالي موقعا استراتيجيا ذا أهمية اقتصادية وعسكرية بالغة. دخول الإمارات وإثيوبيا على خط هذا الميناء يثير تساؤلات حول مدى مشروعية هذه التحركات وتداعياتها على الصومال والمنطقة بأكملها.

من الضروري أن يطالب المجتمع الدولي بوقف هذه التصرفات التي تنتهك سيادة الصومال وتزيد من تعقيدات المشهد السياسي والأمني في المنطقة. إن صمت الدول الفاعلة وتغاضي المنظمات الإقليمية يعتبر بمثابة تشجيع لهذه الممارسات التي لا تخدم الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي.

وفي الختام، لا بد من التأكيد على ضرورة حل القضية الصومالية من جذورها ومعالجة أسباب الصراع الأهلي الذي أضعف الدولة الصومالية. كما ينبغي على الصوماليين أنفسهم العمل على توحيد الصف وتعزيز سلطة الحكومة الشرعية لاستعادة السيطرة على كامل أراضي البلاد.

أضف تعليق

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم.

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ